الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وليس هذا مما يعول عليه، والأحرى عدم صحته لأن العذاب نزل دفعة واحدة فمتى تمكنت من إنشاء هذه الأبيات، وعلى القول بأنها كانت مع المسلمين، فإن أباها لم يهلك بالظّلة لأن أصحاب الظلة أهل الأيكة الذي ذكرهم في الآية 189 من سورة الشعراء وأبوها هلك بالصيحة مع قومه أهل مدين، وهذه الزيادة أسقطت اعتبار صحة الأبيات فيها على فرض أنها مسلمة لم تهلك، وهكذا الأخباريون أحيانا يهرفون بما لا يعرفون، ولذلك لا يوقن بنقلهم قال تعالى: {وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ} تشير هذه الجملة بالإجمال إلى سائر الأمم وأحوالها مع أنبيائها وفيها تخويف لقريش وتحذير من أن تكون عاقبتهم الإهلاك إن لم يؤمنوا كسائر الأمم الكافرة، وفيها حذف وإضمار أي فكذبوه {إِلَّا أَخَذْنا أَهْلَها بِالْبَأْساءِ} الفقر ودواعيه {وَالضَّرَّاءِ} المرض ولوازمه {لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ 94} إلى ربهم فيرجعون عن كفرهم فيؤمنوا فيقبلهم ويعفو عنهم، وفي هذه الجملة زجر لكافة الكفرة بأن يقلعوا عما هم عليه وإلا فمصيرهم التدمير.وتعريف لحضرة الرسول بأحوال الأنبياء مع أممهم وسنة اللّه فيهم تسلية له ليهون عليه ما يلاقيه من قومه من الأذى والتكذيب {ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ} أي بدل البلاء والمحنة والشدة التي كانوا عليها بالسعة والصحة والرخاء مما يستدعي الإيمان بنا والانقياد إلى طاعتنا شكرا لنعمنا عليهم بدفع السيء عنهم وجلب الحسن لهم {حَتَّى عَفَوْا} كثروا ونموا في أنفسهم وأموالهم، وعفى تأتي بمعنى زاد قال تعالى: {وَيَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} الآية 229 من البقرة في ج 3 وبمعنى كثر ونمى كما هاهنا، أما ما جاء في الحديث أعفوا اللحى واحفوا الشارب، بمعنى اتركوا اللحى لا تحلقوها وليس المراد لا تقصوا منها شيئا إذ يجوز أخذ ما زاد منها على القبضة والمراد بإحفاء الشارب الأخذ منه أيضا بحيث تظهر حواف الشفة، وقد غلط من فسّره بالحلق، لأن الرسول لم يفعله ولأنه مثلة والشريعة جميلة مجملة لا تأمر بما هو مثلة، ولهذا البحث صلة في الآية 187 من هذه السورة.أما ما فسره أبو مسلم بأن المراد من عفوا اعرضوا عن الشكر، فليس بيانا للمعنى اللغوي بل أخذا من معنى الآية وليس بشيء {وَقالُوا} لما غفلوا عن استدراجنا إياهم ولم يعلموا كيفية إملائنا للظالم وأخذه على غرّة، واننا تارة نأخذ العاصين بالشدّة وطورا بالرخاء، وظنوا أن عادة الدهر هكذا مرة سيئا وأخرى حسنا، وأن الشدة لم تكن عقوبة، قال بعضهم لبعض اثبتوا على ما أنتم عليه كما ثبت آباؤكم من قبل إذ {قَدْ مَسَّ آباءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ} مثلنا فصبروا ولم يغيروا دينهم بسبب ما أصابهم، ولما أظهروا ما انطوت عليه سرائرهم إثر إنعامنا عليهم ولم يصغوا لنصح رسلهم أوقعنا بهم ما هدّدوا به {فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ 65} بشيء من المخاوف لأنهم كانوا في مأمن من العذاب بزعمهم ولم يخطر مكروه ببالهم قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا} باللّه ورسله وعملوا ما أمروا به وانتهوا عما نهوا عنه {وَاتَّقَوْا} الكفر والإفساد في الأرض {لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ} من رياح لينة وغيث نافع {وَالْأَرْضِ} من نبات وثمر ولصببنا عليهم الخيرات من كل جهة {وَلكِنْ كَذَّبُوا} آياتنا ورسلنا {فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ 96} من الأعمال الخبيثة وعاقبناهم بأنواع العذاب {أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى} كفار مكة وأضرابهم فيشمل كل أهل قرية كذبت الرسل وأنكرت ما جاءتهم به {أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا} عذابنا {بَياتًا وَهُمْ نائِمُونَ 97} أي لا يأمنوا وقوع العذاب بهم على غرة وغفلة أبت ما لي أرى الناس ينامون ولا أراك تنام؟ قال يا بنتاه إن أباك يخاف البيات، أراد الآية المارة، رحمه اللّه رحمة واسعة، فيجب على كل عاقل أن يخاف هذا، لأن الموت يأتي بغتة والقيامة كذلك، فإذا حلّ الأجل لا يستطيع القائم القعود ولا القاعد القيام، ولهذا حث الشارع على الوصية، فلا ينبغي له أن ينام إلا ووصيته تحت رأسه، لئلا يفاجئه الموت فلا يتمكن من بيان ماله وما عليه، وما يريد أن يخصّ منه لأرحامه ولوجوه البر فيندم من حيث لا ينفعه الندم قال تعالى: {أَوَلَمْ يَهْدِ} يتبين من أحوال الأمم السابقة {لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ} إهلاك {أَهْلِها} بنوع من أنواع العذاب الذي قصصناه عليك يا أكمل الرسل بأنا {لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ} أخذناهم {بِذُنُوبِهِمْ} كما أخذنا من قبلهم {وَنَطْبَعُ عَلى قُلُوبِهِمْ} فلا نتركها تعي منافع الإيمان ونهملها وشأنها حتى تختار الكفر والشرك كما فعلنا بمن قبلهم من الأمم الباغية وإذا ختمنا على قلوبهم منعناها من قبول الإيمان {فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ 100} المواعظ الحسنة سماع قبول، أي لا يقبلونها لأنا لا نريد إيمانهم لخبث طويتهم وإصرارهم على الكفر.قال تعالى: {تِلْكَ الْقُرى} التي بينا لأهلها طريقي الخير والشر كقوم نوح وعاد وصالح وهود ولوط وشعيب الذين ختمنا على قلوبهم لعلمنا بخبثها فلم ندعها تقبل نصح رسلهم وأهلكناهم ببغيهم {نَقُصُّ عَلَيْكَ} يا محمد {مِنْ أَنْبائِها} أخبار أهلها وأمر رسلهم معهم لتعلم ماهية مقاومتهم للرسل وعاقبة أمرهم معهم وتتيقن أنا ناصروك على قومك كما نصرناهم، ومهلكو من لم يؤمن بك كما أهلكنا من لم يؤمن بهم {وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ} مثلما جئنهم بالمعجزات {فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا} بعد رؤية ما أظهروه لهم من المعجزات {بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ} قبل مجيء الرسل إليهم ورؤية آياتهم، بل استمروا على كفرهم وأصروا على عنادهم، وفاجأوا رسلهم بالتكذيب، ولم يلتفتوا إلى معجزاتهم، فكانت حالتهم بعد مجيء الرسل كحالتهم قبلها كأن لم يبعث إليهم أحد ولم يؤمروا ولم ينهوا وهذه الآية قريبة في المعنى من قوله تعالى: {وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ} الآية 28 من سورة الأنعام في ج 2، أي لو أحييناهم بعد معاينة العذاب لم يؤمنوا {كَذلِكَ} مثل هذا الطبع المحكم {يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى قُلُوبِ الْكافِرِينَ 101} الذين سبق في علم اللّه أنهم لا يؤمنون من قومك ولو جاءتهم كل آية وأنهم يختارون الكفر عنادا {و} من جملة أخلاقهم الذميمة وخصالهم المستهجنة نقض العهد والميثاق لأنا {ما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ} أي الأمم الخالية {مِنْ عَهْدٍ} أوفوا به لنا في عالم الذر، كما أنهم لم يوفوا بعهدهم لرسلهم، لأنهم كلما عاهدوهم على الإيمان نقضوا، فلا وفاء لهم البتة.
أي وتشقى الضياطرة بالرماح والضياطرة الرجال العظام فتكون كقراءة نافع.2- تكون على حد ان ما لزمك فقد لزمته أي فلما كان قول الحق حقيق عليه كان هو حقيقا على قول الحق لإزماله.3- أن يضمن حقيق معنى حريص كما ضمن هجني بمعنى ذكرني.4 وهو الأوجه الأدخل في نكت القرآن أن يغرق موسى في وصف نفسه بالصدق في ذلك المقام لاقتضاء المقام، لاسيما وقد روي أن فرعون قال له إني رسول من رب العالمين فقال له موسى أنا حقيق على قول الحق واجب علي أن أقوله ولا يرضى الحق إلا بمثلي قال تعالى: {قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ} حجة واضحة {مِنْ رَبِّكُمْ} أضاف الاسم الجليل إليهم مع عدم اعترافهم به لتأكيد وجوب الإيمان، وإيذانا بأن ما يزعمونه من الألوهية باطل {فَأَرْسِلْ} يا فرعون {مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ 105} يعقوب عليه السلام لأنهم سكنوا مصر زمن يوسف عليه السلام، الذين خذلتهم بقهرك وتعمدت إذلالهم بظلمك وقصدت احتقارهم بكبريائك فدعهم يذهبوا معي إلى الأرض المقدسة وطن آبائهم وخل سبيلهم من الرق بمقتضى أمر الحق وإلا سينزل بك وبقومك ما لم يكن بالحسبان كما وعدني ربي، وإنما سلطه اللّه عليهم بعد أن كانوا ملوكا قادة حكاما بسبب اختلافهم ونبذهم دين آبائهم، أي خل عنهم وأطلقهم وسلمني إياهم لأني من ولد إسرائيل وقد أرسلني اللّه لأخلصهم منك وأرشدك وإياهم إلى الايمان به وحده.
|